يغيب الإعلام الرسمي/ الخاص عن ندوة جادة تناقش كتابًا جادًا يطرح قضية ضاغطة؛ لأنه ارتضى لنفسه أن يكون جزءًا أصيلاً في لعبة الابتذال والإلهاء واللهو..مفارقة غريبة، ولكنها واقعة! الإعلام المصري –بكل تنويعاته- يمارس دورًا سلبيًا ضد الإسلام بطرق مختلفة، إمَّا بالهجوم المباشر، وإمَّا بالصمت على الإساءة إليه، وتكاد لا تجده حاضرًا في صف الإسلام أبدًا، سواء كانت الإساءة من الداخل أو الخارج!
في ندوة مناقشة كتاب "الحرب على الإسلام" للإعلامي البارز والكاتب الصحفي الكبير تهامي منتصر، التي احتضنتها رابطة الأدب الإسلامي مساء أمس، بحضور جمهرة من المتثقفين والمفكرين- غابت وسائل الإعلام عنها، ولم تكلف قناة تليفزيونية/ فضائية واحدة نفسها بتغطية مثل هذه الفعالية المهمة؛ لأن هذه ليست بضاعتهم التي يتبنون ترويجها وتعميمها! القضية شديدة الأهمية، والمناقشون مدهشون لغة وفكرًا ووعيًا. تعقيب الأستاذ الدكتور خالد فهمي عن الكتاب جاء أشبه بمحاضرة علمية رصينة مكتملة الأركان.
رغم أن اسم الكتاب هو "تاريخ الحرب على الإسلام..مصر مهد التوحيد والإيمان" إلا إن الواقع المعاصر يعكس تراجع دور مصر في احتضان الإسلام والزود والدفاع عنه، وذلك من خلال التمكين لخصوم الإسلام في الداخل والخارج من الطعن فيه وتشويه صورته، وإظهاره في صورة غير طيبة، حتى إن قنوات فضائية رسمية وغير رسمية خصصت برامج تليفزيونية لإنجاز هذه المهمة، أبرزها: برامج المُدان قضائيًا إسلام بحيري، وإبراهيم عيسى المعروف إعلاميًا بـ"أبو حمَّالات"، وآخرين لا تعلمونهم، الله يعلمهم، وجاء الاحتفاء بتدشين مؤسسة "تكوين" –مثلا وليس حصرً- فاضحًا لنوايا ظن أصحابها أنها كانت مستترة!
الخطاب الإعلامي الديني الرسمي/ الخاص يستوطنه عوار كبير على جميع المستويات، بدءًا من اختيار مذيعيه، مرورًا بالضيوف والمحتويات المطروحة، وصولاً إلى القضايا المسكوت عنها التي لا يجب الاقتراب منها أو المساس بها، وأهمها: القضية التي يطرحها كتاب "تاريخ الحرب على الإسلام" الذي يتماس ويشتبك مع أولئك الذين احتشدوا في خندق الخصومة مع الدين الخاتم. قمة البؤس أن تكون الدولة التي صدَّرت الإسلام للعالم هى التي تنقلب عليه وتتخذه خصمًا مبينًا وعدوًا لدودًا، أو تغض الطرف عن إهانته وتشويهه وتجريحه! هذا الخطاب الشيطاني يتطلب تفكيكًا عاجلاً وكشفًا لمموليه وداعميه والمستفيدين منه والساكتين عنه؛ حتى يعلمهم القاصي والداني!
لقد تم تخصيص مساحات واسعة في الصحف والفضائيات لمحاولات فك وتركيب “إسلام ع المزاج”، إسلام بلا معنى أو مضمون، إسلام قائم على التجرؤ على المحرمات والعبث بها. أصبح المتطاولون على الإسلام ضيوفًا دائمين على المنابر الإعلامية، ويتم استدعاؤهم إلى الفعاليات الرسمية أيضًا، ويتم التعامل معهم باعتبارهم مفكرين مستنيرين وأصحاب عقول متحررة، ولا تغيب أسماؤهم عن اللجان الرسمية التي يتقاضى أعضاؤها أموالاً من الموازنة العامة دون جهد يُذكر، أما القابضون على دينهم، المرابطون عن حياضه فتم التعامل معهم بمنطق قوم لوط عليه السلام: "أخرِجوا آل لوط من قريتكم؛ إنهم أناس يتطهرون". أصحاب الفكر المنافح عن الإسلام عن علم وفهم وإدراك وحميَّة –مثل الذين ناقشوا الكتاب أمس- لا تكاد ترى واحدًا منهم في فضاء الإعلام الديني الحديث؛ بعدما تم تفريغه لشيوخ الترندات وفقهاء السلطان وغلمان الشيطان وجنود إبليس وبائعات اللانجيري. كتاب "تاريخ الحرب على الإسلام"، الصادر عن دار "غراب" للنشر، ضربة معلم، تستدعى ضربات أخرى متتالية، وأجزاء متعاقبة؛ فالإسلام الذي بدأ غريبًا، ها هو يعود غريبًا كما بدأ من جديد، لا يجد مغيثًا ولا مجيرًا، باستثناء غيورين محدودين جدًا مثل: تهامي منتصر!